قواعد في تدبر القرآن الكريم
بقلم: أ.د. عبد الرحمن شط
عضو الاتحاد العالمي لعلماءالمسلمين
{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ
لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} {لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} لام التعليل تدل على أن القرآن ما نزل لمجرد تلاوة
حروفه فقط، وإنما نزل من أجل التدبر في معانيه، والتفكر في مضمونها لأخذ العبر من
قصصه، وللاستفادة من مواعظه، وامتثال أمره، والكف عن نهيه، الهدف من التنزيل، أو
بعض أهدافه هو التدبر.
حتى قرّع
ولام الذين لا يقومون بذلك وقال: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ
الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}
وأشار إلى دقة محتوى المصحف وعظمته: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ
عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيرا}
التدبر: من د ر ب، ومنه الإدبار، النظر في عواقب الأمور
والتفكر في أدبارها، ودبر الشيء آخره، هو التوصل إلى ما ينتهي إليه الشيء بحيث أنك
ترى نهايته... وهو التفكر الشامل الواصل إلى أواخر دلالات الكلم ومراميه البعيدة وهو معرفة التفسير والاستنباط من القرآن.
إِنَّ تدبر القرآن هو
التأمُّلُ فيما يُدرك بالعقل لفهم معانيه، والتوصُّلُ إلى معرفةِ مقاصدِ الآياتِ
وأهدافها، وما ترمي إليه من المعاني والحِكَمِ والأحكام، وذلك بقصد الانتفاع بما
فيها من العلم والإيمان، والاهتداء بها والامتثال بما تدعو إليه..
الفرق بين التفسير والتدبر: إن دائرة
التدبر أوسع من التفسير، وذلك أن التدبر هو إعمال النظر في مآلات الألفاظ والمعاني
ولكن كيف نتدبر
القرآن الكريم؟
وما هي الأصول والقواعد في تدبر القرآن الكريم؟
ونحن نعلم حسب ما تلقيناه في
المدارس، بأن الاختلاف في النتائج العلمية له سببان رئيسيان، إما عدم معرفة قواعد
ذلك العلم، أو عدم معرفة استعمالها، فعلم الرياضيات مثلا اكتشفه البشر ووضع له
قواعد مضبوطة، ولم يختلف فيها علماء الرياضيات، وكل من علم بها واتبعا في تحليل
معادلة رياضية إلا وتوصل إلى نتيجة صحيحة، وهي واحدة، وكل من جهل تلك القواعد أو
أحدها، أو جهل كيفية استعمالها إلا وتوصل إلى نتيجة غير صحيحة، أو جهل كيفية
استعمالها إلا وكان أقرب للخطأ، وهذا ما يؤدي إلى وجود نتائج مختلفة. ولعلوم
الأخرى أيضا قواعد، من يتبعها يصل إلى نتيجة صحيحة بسهولة.
ولفهم القرآن الكريم أيضا أصول
وقواعد، من يتبعها يصل إلى مقاصدها، ومن لا يتبعها يضيع المقصود ويختلف مع لآخرين،
ولعدم التزام العلماء بقواعد فهم القرآن اختلفوا في فيه، ثم جعلوا الاختلاف رحمة
وأساس الفقه. ونحن نتساءل هل الاختلاف رحمة؟
فما جدوى قوله تعالى: {رُسُلًا
مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ
بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}
ذهب
بعض علماء المعاصرين إلى أن قواعد التدبر موجودة في داخل كتاب الله، أي ناشئة من داخل القرآن
بنفسه، وهو تفسير المصحف بالمصحف:
القاعدة لأولى: الالتزام باللغة العربية وقواعدها:
يحب تعلم اللغة العربية، لأن لغة
القرآن عربي فأول قاعدة إذاً هي قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ
تَعْقِلُون} وقوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ
تَعْقِلُون}َ الآيتان تنتهي بعبارة (لعلكم تعقلون)، وذلك يعني أنه لا
يمكن للمرء أن يعقل ما بداخل القرآن إلا إذا تدبره باللغة العربية التي نزل
بها القرآن، ولذلك يجب معرفة لغة العربية، ومن لا يعرف معاني ألفاظ الكلمات ومشتقاتها
العربية ومفردات اللغة لا يعرف المقصود الحقيقي بالإيمان، بالعلم، واليقين، والظن، والصوم،
والصلات، والزكاة، والحج، والجهاد، وسائر كلام العرب الذي نزل به القرآن.
وفي آخر المقال نعرض أمثلة للجذر اللغوي لبعض الكلمات مثل: وسوس،
وعسعس، وحصحص، ودمدم، وصفصفة، وصرصرة، وزنجبيل، وسلسبيل، وأسماء مثل لقمان، وطالوت
وجالوط، وثمود.
ولكن لا يطلب من كل قارئ
القرآن الكريم أن يكون عالما باللغة العربية نحويا كسيبويه والأخفش، بل المطلوب أن
يحصل قارئ القرآن على الحد الذي يُمكّنه من فهم كتاب الله تعالى وتدبره.
إن القرآن بيّن واضح، وفهمه وفقهه وتدبره ليس صعبا بحيث يُغلق المرء عقله،
ويعلق فهمه كله بالرجوع إلى كتب التفسير، فهذا مفهوم خاطئ، ومدخل من مدخل الشيطان
على العبد ليصرفه عن الاهتداء به،
ففهم القرآن نوعان: النوع الأول: يدخل فيه تفسير الغريب، واستنباط
الأحكام، وأنواع الدلالات، وهو الذي يختص بأهل العلم على تفاوت مراتبهم. النوع
الثاني: هو الذي ينتج عن تأمل قارئ القرآن لما يمر به من آيات كريمة، يعرف
معانيها، ويفهم دلالتها، بحيث لا يحتاج معها أن يراجع التفاسير، فيتوقف عندها
متأملا، ليحرك بها قلبه، ويعرض نفسه وعمله عليها، إن كان من أهلها حمد الله، وإلا
حاسب نفسه واستغفر.
والكل يعلم بأنه ليس كل كلمة تكتب بالحروف
العربية هي اللسان العربي، مثلا نكتب بالأحرف العربية تلفون راديو سينما تليفزيون،
ولكنها ليست من اللغة العربي. فهذا يعني أن الله تعالى أنزل كتابه، وجعله بقراءة
عربية، والكلمات التي كتب بها هي كذلك عربية، وبالتالي لها جذر لغوي في اللغة
العربية. وهذا ينفي كل قول يدل على أن القرآن يتضمن كلمات أعجمية. كالسريانية أو
الحبشية، وإلا يناقض قول الله: {كِتَٰبٌ
فُصِّلَتۡ ءَايَٰتُهُۥ قُرۡءَاناً عَرَبِيّا لِّقَوۡم يَعۡلَمُونَ} يعني أن الله تعالى فصّل آيات كتابه ليتدبرها
المرء بقراءة عربية، ولا يمكن تدبرها عبر المصاحف المترجمة. لأنه لا يمكن أن يأمرنا الله بتدبر القرآن
باللغة العربية وبقراءة عربية، ثم يجعل بداخله حروفا أو كلمات غير عربية. وقال د. خليد بلعكرش: إن القرآن
ليس على قواعد علم النحو أو الذي وضعها أبو الأسود الدئلي وسيبويه، الذي أسس بعد
القرآن، بل القرآن له قواعده الخاصة به، لا تطابق مع قواعد علم النحو. كقوله
تعالى: وقال نسوة، وقالت اليهود، قالت النصارى، وقالت الأعراب، الساعة قريب،
واجنبني وبني أن نعبد الأصنام، رب إنهن أضللن، ولا تقرب الزنا إنه كان فاحشة وساء
سبيلا، كان الله غفورا رحيما، بفعل الماضي. ولم أك بغيا، أي لم أكن بغيا.
القاعدة الثانية: تعلم
لسان العرب، لأن لسان القرآن عربي:
لأن القرآن نزل بلسان عربي مبين، لقوله تعالى: {نَزَلَ
بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلۡأَمِينُ * عَلَىٰ
قَلۡبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيّ مُّبِين} أي مع معرفة اللغة يجب معرفة
معاني الكلمات ودَِلالاتها أيضا، وأساليبها البيانية، وما توحي إليه من اللطائف
والظلال، وطرقها في التعبير، فالقرآن نزل بلسان عربي مبين، وفق أساليب العرب في
البيان، فاستخدم التشبيه، وضرب الأمثال، والتقديم لأغراض بيانية، وكذلك الحذف
والإيجاز والإطناب في مواضعه، لأغراض بيانية، وكذلك
الالتفات من الخطاب إلى الغيبة والعكس لأغراض بيانية، وكذلك التعريف والتنكير
لأغراض بيانية من التعظيم والتحقير. ومن
لا يعرف أساليب لغة العربية لا يستطيع أن يفهمها، ولا يمكنه أن يفرق بين {إياك
نعبد} و(نعبدك) أو (ونعبد إياك}، فكلما ازداد الإنسان معرفة بقواعد لغة
العربية استطاع أن يفهم القرآن بطريقة أفضل. فكما نعلم، لكل لغة لسان، وكذلك لغة
القرآن لها لسانها، يعني سياقها بطريقة تركيب جملها، ولهذا قال تعالى: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا
فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ} وهنا كما نرى (أفصح مني لسانا) يعني سياقا
فصيحا يمكن للناس فهمه، فاللسان هو عبارة عن تركيب الجمل وطريقة صياغة كلماتها،
وتصريفها لكيلا يكون لها معان كثيرة.
القرآن يخضع للسان العربي، وليس
للسان العرب الحالي، لأن لسان العرب يخضع للتغيرات الجغرافية والزمانية وقد يتضمن
كلمات دخيلة على اللغة العربية، بينما اللسان العربي يتقيد باللغة العربية الصافية
دون أي تدخل خارجي بها. ولهذا عندما نتدبر القرآن، وجب علينا الاعتماد على اللسان
العربي وليس على لسان العرب الذي يعتمد عليه لسان الشاعر ليصف الأشياء بصفات
مختلفة حسب عرفه، ولهذا قال الله تعالى: {وَمَا
هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ}
فنحن مثلا لا نفرق بين فعل كتب
وخطّ، فنقول كتب على الورقة أو خطّ على الورقة، لكن في اللسان العربي الذي نزل به
القرآن، كل كلمة لها دلالتها، ففعل كتب دلالته أَوْجَبَ ولا يمكن أن يكون له دلالة
أخرى، ولهذا قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} وفعل خطّ دلالته هي الرسم على شيء ما، وهذا ما جاء به
القرآن في قوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ
تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} ولهذا نستعمل
عبارة الخطّ العربي. ونحن لا نفرق بلسان
اليوم بين قعد وجلس وبين الفرح والسرور، ولكن في لغة العربي هناك فرق. قال زيد
لعمر اجلس، فرد زيد على عمر: ما أنا بمضجع حتى أجلس، ولكن قل لي أُقعد.
القاعدة الثالثة: لا
ترادف في القرآن.
القرآن غير ذي عوج: {قُرۡءَاناً عَرَبِياً غَيۡرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمۡ
يَتَّقُونَ} كل كلمة لها دلالة خاصة بها لا تتغير في المصحف
كله، أي دلالاتها لا تتغير حسب تغير الآيات، لكي يكون كتاب الله تعالى قرآناً
(قراءة) غير ذي عوج.
ولا تعارض في كتاب الله لأنه
من خالق الكون، يجب أن تكون الدقة في كتاب الله كدقة الكون والكيميا والفيزياء،
لأنه من نفس الخالق. ولذلك يستحيل أن يكون فيه أخطاء وتناقضات، فإنه يصدِّق بعضه بعضًا، ولا يخالف بعضه بعضًا،
وأنه لا اختلاف بين آياته، ولا اضطراب في أحكامه، لأنه {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا
مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ
الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا
كَثِيرًا} فكل لفظة من ألفاظ
القرآن تم اختيارها بميزان دقيق، أدق من ميزان الذهب والفضة،
لأن القرآن أنزل
بعلم الله لقوله تعالى: {فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا
إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ
بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا}
قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ
مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} وهنا كما
نرى قال تعالى: {لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} يعني أن الله أنزل كتابه لنبحث
في معاني آياته لكي نستطيع فهم خطابه تعالى لنا فلا نكون عرضة لأهوائنا، ثم قال: {وَلِيَتَذَكَّرَ}
وفعل يتذكر جذره اللغوي هو فعل ذَكَرَ، فنقول ذكر عيب فلان، بمعنى أخبر عنها
فأصبحت تعرف، فمعنى ذكر في كتاب الله تعالى هو عَرَفَ أي لم يعد يجهل، ولهذا جاء
بهذا الفعل بعد فعل التدبّر. أي فعندما نتدبر آيات الكتاب نعرف معناها، وبالتالي
نستوعب خطابه تعالى، فعندما قال: {أُولُو الْأَلْبَابِ} يعني لا يقوم بفهم
معانيه إلا (أولول الألباب) فأولول الألباب ليس معناها الذين لهم ألباب،
ولكن معناها الذين لهم عقول يلبّون بها، وكلمة ألباب جذرها اللغوي هو فعل لبّ،
فنقول لبّ الموز أي كسره وأخذ ما بداخله، فأولوا الألباب يعني الذين يلبّون
الكلمات التي جاءت في القرآن لكي يصلوا إلى معناها العميق، أي دلالتها التي لا
تتغير مع تغير الآيات، فتتعوج وتجعل القرآن ذا عوج. فماذا معنى عوج إذاً؟
فكلمة عوج جذرها اللغوي هو فعل
عاج، فنقول في اللغة العربية عاج أي عطف ومال، فكلمة عوج تعني ميول وانعطاف، وهذا
هو الخطأ التي لم يتنبه إليه آبائنا، وهو جعلهم للكلمة والواجدة أكثر من دلالة،
وهذا الذي سماه الله عوجا، أي تغير دلالة الكلمة مع تغير الآية، وهذا لا ينبغي ولا
يحق لنا فعله، ولهذا قال تعالى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ
مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي
عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ
مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ
لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} ضرب الله لنا مثلا
ليبين مفهوم هذا الاعوجاج فقال: {..رَجُلًا
فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ..} إن الله جاء بمثال
يتعلق بتدبر القرآن، لأن الآيتين اللتين جاءتا من قبل يتحدثان عن ذلك، وهذا المثال
يعلمه الناس ويخضع للمنطق.
فعندما قال تعالى: {رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ} فهذا يعني رجل بداخله عدة رجال متشاكسين، وكلمة متشاكسون جذرها
اللغوي هو فعل شكس، فنقول رجل شكسٌ يعني صعب المعاشرة، فالله تعالى مثّل كلمات
القرآن بالرجال فقال، إذا كان هناك رجل بداخله عدة رجال فسيكون تناقض بينهم، يعني
إذا كان إنسان بداخله عدة شخصيات فسيغير رأيه كل حين، وبالتالي لا يمكن أن يكون إنسانا
طبيعياً، ولكن كل رجل ليس فيه شركاء فهو رجل سليم، يعني كل إنسان بداخله شخصية
واحدة لا يمكن أن يغيّر رأيه كل حين، فهو بالتالي إنسان طبيعي. فكذلك كلمات القرآن
لا يمكن للكلمة أن يكون لها أكثر من دلالة لكيلا تصير كرجل فيه شركاء متشاكسون،
ولكن لكل كلمة دلالتها الخاصة بها لكي تصير كرجل سلماً لرجل.
وهذه القاعدة
هي التي تجعل كتاب الله تعالى قرآنا غير ذي عوج، ولهذا قال سبحانه: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ
مَثَلٍ...إلخ}
ولكن آبائنا لم
يهتمّوا كذلك بهذه القاعدة، وهذا طبيعي
ومنطقي، لأن مستوى فكرهم كان يناسب عصرهم والآليات التي كانت لديهم آنذاك، فصاروا
يغيرون دلالة الكلمة من آية لأخرى، فجعلوها كرجل فيه شركاء متشاكسون وليس كرجل
سلما لرجل، ولهذا ختم سبحانه الآية بقوله: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} ولهذا اختلطت عليا الأمور فأصبحنا نغير دلالة الكلمة الواحدة حسب
تغير الآية، وأصبح كتاب الله تعالى قرآنا ذا عوج.
إن الله لم يخص
بأهل العلم دون غيرهم، إلا أن الناس متفاوتون في العقل والتدبر والفهم، فمنهم من
يفهم من الآية حُكما أو حكمين، ومنهم من يفهم أكثر، ومنهم من يقتصر فهمه على مجرد
اللفظ. علينا أن ندبره بعقولنا، عقول الواحد والعشرين الميلادي، {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ
الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} كم وردت
الإشارات والتنبيهات إلى دور العقل في القرآن الكريم، وبأساليب متعددة، {إِنَّ
فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ
لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} الذين يذكرون الله ويتفكرون في خلقه ليصلوا إلى
نتيجة أن هذا الكون لم يكن باطلا عبثا، فيتفكرون ويحللون إلى أن يصلوا إلى الدقة
والحكمة من ورائه. {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ
فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ
الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ
يَتَفَكَّرُونَ}
القاعد الرابعة: تصريف
الأمثال:
{وَلَقَدۡ
صَرَّفۡنَا فِي هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَل وَكَانَ
ٱلۡإِنسَٰنُ أَكۡثَرَ شَيۡء جَدَلا} هنا قال تعالى: {صرّفنا} والجذر اللغوي
لكلمة صرّفنا هو فعل صرف، فنقول صرّف ورقة مائة درهم يعني حوّلها لعدة فئات يساوي
مجموعها قيمة ورقة المائة درهم.
وهكذا في قوله تعالى: {وَلَقَدْ
صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ
النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا} وجاء عرض الأمثل
بفعل ضرب أيضا كقوله تعالى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا
الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} وكقوله تعالى: {وَلَقَدْ
ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ
بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ} إن الله صرف القرآن، أي فصّله عبر آيات وصرفها لنا
كأمثلة لسببين هما: الأول: يبيّن ويحدد كل شيء، لكيلا يضطر المسلمون إلى
استفتاء بعضهم بعضاً، فيحرّموا عليهم ما لم يحرمه تعالى. والثاني: ليفصل كل
الأنباء والقصص التي جاء بها القرآن، لكي يأخذ الناس منها العِبَر وليؤمنوا بأن
القرآن من عند الله.
مثلا حينما قال: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا
يُتْلَى عَلَيْكُمْ} بين لنا أن أكل
لحم الأنعام حلال وليس كل الحيوانات، ثم صرف لنا الأمثال ليبين لنا ما هي تلك
الأنعام، لكيلا نحرم ما أحل الله، فقال: {وَأَنْزَلَ
مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى * كُلُوا
وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ} وقوله: {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ
أَرْسَاهَا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} وقوله: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ
أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا
يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ} أي الحيوانات التي تأكل مما تنبت الأرض، وهذه أمثلة وهناك
غيرها صرفها الله لكي لا نحل أكل لحم مثل الضبع والأسد، أي الحيوانات المفترسة
التي لا تأكل مما تنبت الأرض، لأنهم ليسوا من الأنعام. وهكذا ليسوا من الذين ذللها
الله لنا لنأكلها ونركبها: {أَوَلَمْ
يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ
لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا
يَأْكُلُونَ}
القاعدة الخامسة: القرآن كتاب أحكمت آياته : {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ
حَكِيمٍ خَبِيرٍ} إن الله أحكم آياته،
وحفظ بها تعالى كتاب من كل تحريف من البشر وإلى قيام الساعة، لقوله: {إِنَّا
نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ} فآيات الكتاب هي عبارة عن كلمات ذات دلالات
محددة، أي لا يمكن لكلمتين مختلفتين أن يكون لهما نفس الدلالة، ولا يمكن لكلمة أن
يكون لها أكثر من دلالة، وكل كلمة جاءت في الآية إلا وكانت دلالتها تناسب سياق
الآية حسب اللسان العربي، أي لا ترادف في كتاب الله.
وآبائنا لم ينتبه
إلى ذلك، فجعلوا مثلا دلالة الكتاب هي نفس دلالة القرآن، ودلالة الرسول هي نفس
دلالة النبي، ودلالة الزوج كدلالة البعل، ودلالة نسائكم كدلالة أزواجكم، ودلالة
فعل بدى كدلالة فعل ظهر، ودلالة فعل قرأ كدلالة فعل تلا، وهناك أمثلة كثيرة. وهذا
لا يصح في كتاب الله الذي هو من علمه كما قال تعالى: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ
وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} وعلينا أن ندبر آيات
الكتاب على قاعدة أنها آيات محكمة، فعندما قال: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} نفهم أن آيات الكتاب منظمة بطريقة معينة حتى لا نزيغ
عن سياقها فنختلف في معناها، لأن كلمة أحكمت جذرها اللغوي هو فعل حكم، فنقول أحكم
زيد إغلاق الباب، يعني غلق الباب بطريقة محكمة لكي لا يمكن لأحد فتحه إلا بالطريقة
التي أُغلق بها. ثم تابع تعالى قوله: {ثُمَّ فُصِّلَتْ} وهنا كما نرى جاء
سبحانه بحرف العطف (ثم) وليس بالواو، وذلك دلالة على أن الآيات أُحكمت وبعد ذلك
فُصّلت، لأن حرف العطف (ثم) يدل على ترتيب الأفعال أو التراخي في الزمان بينهم
كقوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ
تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا} وكلمة فصلت جذرها اللغوي
هو فعل فصل، فنقول فصّل الشيء يعني جزّأه وجعله فصولا متميزة، وبما أن الله تعالى
يتكلم عن آيات الكتاب، فهذا يعني أن الله جعل كتابه عبارة عن آيات مجزأة، لكن
بطريقة محكمة مرتبطة بعضها ببعض، لا تناقض بينها بل متممة لبعضها، كأعضاء الجسد
الواحد، لكي يبين بواسطتها كل شيء كما
جاء في سورة الأنعام: {ثُمَّ
آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ
شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ} وكذلك في سورة يوسف {مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي
بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ
يُؤْمِنُونَ} ولذلك حينما ندبر آية من
آيات القرآن يجب ان ننظر إليها كجزء من كل
المصحف لنرى علاقتها مع الآيات الأخرى. ثم تابع تعالى: {مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ
خَبِيرٍ} يعني الذي قام بهذا الفعل هو حكيم خبير، أي فهو حكيم بفعل الذي قام
به وهو إحكام آيات الكاب، وخبير بفعل الذي قام به بعد التحكيم وهو تفصيلها، فلا
يمكن أن نجد في كتاب الله آيات تنتهي بأسمائه الحسنى لا توافق ترتيب ودلالة
الأفعال التي جاءت في الآية نفسها، وكمثال على هذا ما جاء في قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ
إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ
مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ
حَكِيمٌ} جاء باسمه العليم لأنه علم بما ألقى الشيطان فنسخه، ثم أحكم
آياته، ولهذا جاء باسمه حكيم بعد اسمه عليم وليس قبل.
وذلك
إذا ما اتبع المتدبر القواعد التي وضعها الله في كتابه، وتجرد من كل تقديس لأقوال
آبائنا سيفهمها بسهولة لقوله: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ
لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر}
والا سنحاسب على التقليد العمياء، ونبهنا الله على ذلك في قوله: {وَإِذَا
قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا
أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ
شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ}
وأن
يترك التدبر تقليدا على الآباء والمفسرين القدماء، {أَفَلَمْ
يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ} وهذا مانع من التدبر من خارج النفس. أو عنادا: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ
أَقْفَالُهَا}
وهناك
قواعد أو وسائل تعين المرء في فهم بعض آيات المصحف، وهي تدرس من خارج المصحف:
منها: دراسة سيرة
النبي ص. وسنته:
فإن تدبر القرآن وفهمه لا يتأتّى
إلا بالرجوع إلى ما ثبت من سيرته وأخلاقه وشمائله، فكانت حياته كلها قولا وفعلا
وإقرارا من حين مبعثه إلى وفاته بيانا لهذا القرآن. ولذا كان الصحابة رضي الله
عنهم يسألون رسول الله ص عما أشكل عليهم، وكان جلُّ تفسيره بيانا لمجمل، أو توضيحا
لمشكل، أو تخصيصا لعام، أو تقيدا لمطلق، أو بيانا لمعنى لفظ، أو متعلق. لأنه كان
الترجمان الحقيقي للقرآن الكريم، وكان خلقه القرآن، بل كان قرآنا يمشي على الأرض،
فهو المبين لمجمله، والموضِّح لمشكله.
وأما السنة: كما
يفهم من كتب الأحاديث، أنه صلى الله عليه وسلم اقتصر على بيان بعض المعاني
الضرورية التي لا تحتمل التأخير، أو التي لا سبيل إلى معرفتها إلا عن طريقه، وترك
ما سوى ذلك للأمة ليعملوا عقولهم في التدبر والتفكر. والحكمة فيه أن الله تعالى
أراد يتفكر عباده في كتابه، فلم يأمر نبيه بالتنصيص على المراد في جميع آياته.
القول بأن السنة
تفسر القرآن ليس مطابق للواقع، لأن
الأحاديث التي تشرح آيات القرآن قليلة جداً، وحسب ما وجدت في كتب الستة الآيات
التي فسرت بالحديث أو أشير إلى أحد معان الآية، هي ستة عشر آية، وكتبت في
مقالتي "لماذا الرسول لم يفسر القرآن" إنها لا تتجاوز عشرين آية.
ليست بالمئات ولا بالآلاف.
ومنها: معرفة أسباب
النزول والمناسبات والوقائع:
وتعد من القواعد المهمة في تدبر
القرآن، لأن كثيرا من الآيات ارتبط نزولها بمناسبات ووقائع معينة، ولا يمكن أن
تفهم إلا بمعرفة المناسبات والوقائع التي نزلت لمعالجتها. {وَلَا
يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا}
فمن فوائدها أنها تعين على معرفة وجه الحكمة الباعثة على التشريع، وهذه فائدة
عزيزة يحتاجها الفقيه كثيراً. فمعرفةُ سببِ النزولِ يُفِيدُنَا في فهم الآية.
لكنه لا يعني قَصْرَ مَفْهُومِ
الآيةِ على ما وَرَدَ في سبب النزول، فالعبرةُ بعمومِ اللفظِ
لا بخصوصِ السبب، فيُمْكِنُ أنْ تُحمَلَ الآيةُ على الكثيرِ من المعاني الحقيقية
والمجازية التي تُفْهَمُ من الآية، ويَسمح بها التركيب، إذا لم يكن هناك تعارضٌ
بين هذه المعاني.
منها: دراسة تفاسير
أهل العلم وقواعدها:
تعليم اصول
وقواعد التفسير التي تعين على فهم الآيات وتدبره، وتوصلوا إلى استنباط المعاني
الصحيحة، وهذا قد يكون بدراسة كتب المفسرين من أهل العلم وآرائهم المختلفة، وأقوال
الصحابة الذين عاصروا التنزيل الحكيم، كابن عباس (ترجمان القرآن) وربطهم مع الأرض
الواقع، لأنهم شاهدوا تطبيق القرآن، حتى يصل إلى أفكار جديدة في تدبر آيات الله.
الخلاصة:
إن قول من يقول إن قواعد تدبر
القرآن موجودة في داخل القرآن وأن القرآن يفسر نفسه بنفسه، قول مشهور ومقبول عند
كثير من المفكرين، والأدلة التي قدموها أدلة مستقيمة، وبالتزامها يصل المرء إلى
مفهوم الآيات ومقاصدها مباشرة من المصحف بدون استعانة من علوم أخرى من الخارج. إلا
أن دور سيرة النبي ص ودور روايات حول نزول الآيات وأقوال الصحابة في بعض الآيات لا
تنكر. وأريد أن أضيف طريقتين آخرين مما تعين في تدبر
التنزيل الحكيم:
الطريقة الأولى: إنزال
القرآن على واقع الأمة وقضاياها، كأنْ يربطَ الإنسانُ بين
آياتِ القرآنِ والواقعِ الذي يعيشُهُ، ويجعلَ من الآيات منطلقاً لإصلاح حياتِه
وواقعِه، وميزاناً لمن حوله وما يحيط به. وذلك من غير تكلُّفٍ وتمحُّل في إنزال
الآيات على الواقع. لأن القرآن لم ينزل لزمان معين ولا لمكان معين، بل نزل صالحا
للعمل به وتطبيقه في كل زمان ومكان. قال رسول الله ص: {إن الله يرفع بهذا الكتاب
أقواما ويضع آخرين} مثلا حينما نقرأ آيات حول أوصاف المنافقين في
عصر الرسالة علينا أن نلتفت وننظر إلى ما يطابق أوصافهم في عصرنا الحديث.
لأنه لا يتغير في القضية إلا الوجوه فقط، وإلا فالأحداث والوقائع واحدة، بل
والكلمات واحدة {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ
قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ}
الطريقة الثانية: أنْ
يَحْسَبَ أنه هو المخاطب بالقرآن الكريم، فماذا لو حَسِبَ كلٌّ منَّا أنَّ القرآن قد
أنزل على محمد ص، وبلغ رسالته، وتوفي أمس وترك لنا كتاب الله، وأنه هو المخاطب به،
فكيف سيَتَلَقَّى رسائلَهُ ومواعظَهُ، وأوامرَهُ ونواهيَهُ، فما أنفسَها وما
أعظمَها مِنْ رسائلَ قالها الخالقُ العظيمُ لخلقه وعباده الذين لا يعرفون من الخير
إلا ما عرَّفهم به ربهم، ولا نجاة لهم من الشرور والآثام إلا بابتعادهم عما نهى
الله عنه. قال السيوطي رحمه الله [ليس
المقصود من القرآن مجرد التلاوة بل المقصود الأعظم والمطلوب هو التدبر والفهم لأن يكون
منهاجا للعمل وهاديا للسلوك]
التدبر ينتج حصول اليقين في القلب: {هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ
يُوقِنُونَ} فمن قرأ القرآن بتدبر
وتأمل حصل له الهدى واليقين التام. {قَدْ
جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا
وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} {قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ
مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ
يُؤْمِنُونَ}
اللهم إنا نسألُك بكل اسم هو لك أنزلتَه في كتابك، أو علَّمتَه أحدًا من خلقك،
أو استأثرتَ به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور
صدورنا، وجلاء همومنا وأحزاننا، اللهم علِّمنا منه ما جَهِلنا، وذكِّرنا منه ما
نُسِّينا، وارزقنا القيام به آناء الليل وأطراف النهار.
وأخيراً
أسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يرعى هذا القرآن حق رعايته، ويتدبره حق تدبره، وأن
يهدينا لأعلامه الظاهرة وأحكامه الباهرة وأن يجمع لنا به خير الدنيا والآخرة، فإنه
أهل التقوى وأهل المغفرة.
اللهم اجعلنا ممَّن تابع القرآن علمًا وعملاً،
اللهم يا معلِّم القرآن علِّمنا إياه، اللهم يا منزلَ الكتاب، اجعلنا من أهله،
اللهم صلِّ على عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أمثلة على جزر اللغوي:
لوسوس، وعسعس، وحصحص، ودمدم، وصفصفة، وصرصرة، وزنجبيل، وسلسبيل،
وأسماء كلقمان، وطالوت وجالوط، وثمود:
[قال تعالى: {مِنْ شَرِّ
الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} (الناس 4) ففعل وسوس
له معاني كثيرة، ومنها تكلم بكلام خفي، ونقول وسواس الشيطان إليه أو له بمعنى
حدّثه بما لا مصلحة فيه، لكن إذا أخذناه على وزن فعل، أي الفعل الثلاثي المجرد،
فيكون ساس، فنقول ساس الحب بمعنى وقع فيه السّاس أي العثّ، وهي الحشرات الصغيرة
التي تقع في الحبوب والطعام والصوف فتسوّسها وتصير فاسدة، ومن هذا الفعل اشتقت
كلمة السّوسة التي تصيب الأسنان، فهنا نرى بأن المعنى أصبح جدّ محدّدا، فنعلم بأن
الوسواس هو كل فكر يصيب الإنسان فيزرع فيه الشك، ويجعله غير طبيعي كما تفعل السوسة
بالأسنان.
قال تعالى: {والليل إذا عسعس} (التكوير
17) ففعل عسعس جذره اللغوي هو فعل عسّ، فنقول في اللغة العربية جاء الشيء من عسّ
وبسّ، أي جاء من حيث كان ولم يكن، ونقول كذلك عسّ الخبر أي تباطأ في المجيء، وهكذا
نعلم بأن الليل، أي الظلام، لم يكن موجودا فوُجد لكنه لم يأت فجأة ودفعة واحدة كما
يأتي الظلام عندما تكون الغرفة مضيئة ثم ينطفئ النور، ولكن يأتي تدريجيا ومستمرا
لا يتوقف، ولهذا استعمل الله تعالى كلمة عسعس، ليقول لنا بأن الفعل أي عسّ أخذ
وقتا وتدرّج في الوقوع، وهذا ما نعلمه، وهناك مثال آخر في قوله تعالى: {قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} (يوسف 51) فالجذر اللغوي
لكلمة حصحص هو فعل حصّ، فنقول في اللغة العربية حصّ الشعر يعني تساقط، والكل يعلم
بأن براءة يوسف لم تأتي جملة واحدة ولكن كل مرة يتبين شيء من الحقيقة، فكان الفعل
متداخلا ومتدرّجا، ولهذا استعمل سبحانه وتعالى فعل حصّ على هذا الشكل أي حصحص،
وعندما نعلم بهذه القاعدة يمكننا تفسير وفهم منى الآيات التي جاءت فيها أفعال على
هذا الشكل، وعلى هذا الوزن مثل ما جاء في سورة الشمس 14: {فَكَذَّبُوهُ
فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا} من فعل دمّ، وكذلك في سورة طه 106: {فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا} من فعل صفّ، وفي سورة القمر 19: {إنَّا
أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ} من فعل صرّ إلى آخره.
{وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ
وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا * قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا
تَقْدِيرًا * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا *
عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا} (الإنسان 16-18)
فكلمة زنجبيل وكلمة سلسبيل هما كلمتان مركبتان،
والمتشابه بينهما هو كلمة بيل، وبقي عندنا كلمتان مختلفتان، وهما زنج وسلس. وقال
تعالى: {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ
فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا} (المزمل 16) وكلمة وبيلا جذرها اللغوي هو فعل وبل، فنقول وبل الشيء
يعني اشتد وصعب، ونقول كذلك وبل المطر يعني اشتدّ، فكليمة وبيل إذاً تعني شديد،
وعندما تضاف للكلمة فذلك دلالة على المبالغة في وصف تلك الكلمة.
وكلمة زنج جذرها اللغوي هو فعل زنج، فنقول زنجت
الإبل يعني عطشت، فكلمة زنجبيلا هي مركبة من كلمة زنج وكلمة وبيلا، وعندما رُكّبتا
في كلمة واحدة حذف الواو فصارت الكلمة المركبة على شكل زنجبيلا، يعني العطش الشديد
أو شدة العطش.
وكلمة سلس جذرها اللغوي هو فعل سلس، فنقول سلس
الشراب يعني مرّ من الحلق بسهولة وليونة، فهو إذاً عذْبٌ، وعندما أضيفت كلمة وبيلا
إلى كلمة سلس كما هو الشأن بالنسبة لكلمة زنج، جذف الواو كذلك فصارت كلمة مركبة
على شكل سلسبيلا، يعني شديد السلس أي عذب.
وهكذا يمكننا تدبر الآية بهذا المفهوم، فالله
تعالى قال: {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا}
وكلمة مزاج هي مصدر لفعل زاج كما هو مقال لفعل قال، وميعاد لفعل وعد، فنقول في
اللغة العربية زاج بين اثنين يعني حرّش وأغرى واحدا على الآخر، فعندما قال تعالى {وَيُسْقَوْنَ
فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا} فهذا يعني أن المؤمن عندما يرى
الكأس ستغريه بالعطش الشديد، ثم تابع قوله تعالى {عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى
سَلْسَبِيلًا} يعني أن الكأس التي إذا رآها المؤمن أغرته بالعطس الشديد، قد
سُقيت من عين تُعرف بشراب شديد السلس، أي شراب عذب، عسلا أو ماءً أو لبنا أو خمرا
كما جاء في سورة محمد 15: {مَثَلُ الْجَنَّةِ
الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ
وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ
لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ
كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ
وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ}
فكلمة لقمان مثلا هي على وزن فعلان، وجذرها اللغوي هو فعل لقم،
فنقول في اللغة العربية لقم الطعام أي أكله بسرعة لقمة واحدة، ونقول رجل لهِمٌ
لقمٌ أي يعلو خصومه في المحاورة والذكاء، فلقمان إذاً هو اسم يدل على رجل ذكي
وحكيم.
وكذلك اسم جالوت هو من فعل جلى، فنقول في
اللغة العربية جلاه عن بلده، أي أخرجه منها، فجالوت إذاً هو اسم يدل على شخص جبار
ويجلي الناس عن ديارهم، وهذا ذكره تعالى في القرآن، وأما طالوت فهو من فعل
طلى، فنقول جميل الطّلى أو قوي الطّلى بمعنى جميل الهيئة، أو قوي الجسم، فطالوت
إذاً هو اسم يدل على شخص ذو جسم ضخم وقوي، ولهذا قال سبحانه في سورة البقرة 247: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ
طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ
أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ
اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ
وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}
فكل كلمة جاءت في القرآن إلا ولها جذر لغوي على
وزن فعل لكي نعلم دلالتها، ونستطيع تدبر القرآن بطريقة صحيحة، وعندما نتقيّد بهذه
القاعدة نستطيع أن نصل إلى كثير من المفاهيم، وندرك الطريقة اللغوية المتسلسلة
التي خاطبنا بها تعالى، وكمثال على ذلك نعته سبحانه قوم صالح بثمود، فالله
سبحانه لم ينعت قوم صالح بهذا الاسم هكذا، ولكن لأن كلمة ثمود جذرها
اللغوي هو فعل ثمد، فنقول ثمد الماء بمعنى
قل، ونقول ثمد فلان المكان بمعنى جعله كحوض ليجتمع فيه الماء، فعندما نعت تعالى
قوم صالح بثمود، فذلك دلالة على القوم الذين كانوا يعيشون في منطقة جافة مما
اضطرهم لجمع الماء في الحوض، ولهذا قال تعالى في سورة الفجر 9 : {وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ} وكلمة جابوا جزرها اللغوي هو فعل جاب أي جاء بالشيء، ولهذا نقول
أجاب عن السؤال، أي جاء بالرد عن السؤال، فهم كانوا يأتون بالصخر بالواد لبناء
حاجز ليجتمع الماء في الحوض، فكانوا هم أول من بنى سداً بسبب قلة الماء، ولهذا بعث
لهم تعالى الناقة فتنة، لها شرب ولهم شرب يوم معلوم، لكنهم عقروها ليمنعوها من شرب
الماء لقلته، ولهذا نعتهم تعالى بأصحاب الحجر كما في سورة الحجر 80: {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ} لأن كلمة الحجر جذرها
اللغوي هو فعل حجر، فنقول حجر على اليتيم بمعنى حرمه ومنعه من حقه، فهم إذاً كانوا
يمنعون الناقة من حقها في الماء الذي فرضه الله تعالى لهذا، ولها أهلكهم تعالى
بالرجفة كما جاء في سورة الأعراف 78 {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا
فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} والتي جزرها اللغوي هو فعل رجف، فنقول رجف بمعنى
تحرك واضطرب لشدة، وبالصيحة كذلك كما جاء في سورة هود 67: {وَأَخَذَ
الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} والتي جذرها اللغوي هو فعل صاح
أي صوّت بصوت قوي، وهذه الرجفة والصيحة يسببهما الرعد والبرق، وهذا الذي جعلهم
جاثمين، وهذه الكلمة جذرها اللغوي هو فعل جثم، أي لصق في الأرض، وهو الشيء الذي
فعله تعالى مع قوم شعيب كذلك، وهم الذين عثُر عليهم في مدينة بومباي (Pompei) في
إيطاليا، وصدق قوله تعالى في سورة آل عمران 137: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا
كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}
ولهذا قال تعلى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون} فكل كلمة في القرآن إلا ولها أصل في اللغة العربية على وزن فعل،
فالله تعالى لم ينعت الأرض مثلا بالأرض هكذا، ولكن لأن الكلمة لها أصل في
اللغة العربية وهو فعل رضّ، فنقول رضّ الشيء بمعنى دقّه وطحنه طحنا خشنا ليس
كالدقيق ولكن على شكل حبيبات صغيرة ومنه تتكون الأرض، وعندما نبحث عن كيفية تكوين
الكرة الأرضية التي اكتشفها العلماء، سنعلم بأن لكل اسم خلقٍ في القرآن دلالة
معينة، وكذلك أسماء الأشخاص التي جاءت في القرآن، فكلها لها أصل في اللغة العربية،
وبالتالي معينة.] (القواعد الأساسية لتدبر القرآن، د. خليد بلعكراش)