ما يجري في سجون مصر بحق السجناء والمعتقلين السياسيين لم يعد فقط رواية يروونها بعد خروجهم أو ينقلها محاموهم، بل أصبح موثقا بشهادات نشرتها صحيفة ديلي تلغراف البريطانية من معتقلين داخل السجن.
الفيديو والصور التي تم تسريبها تُظهر أيضا الأحوال المتردية لسجن يقال إنه "خمس نجوم" مقارنة بسجون أخرى، فالمنامة والزنزانة والحمام غير آدمية، وكأن السجون من زمن آخر.
الشهادات مؤلمة، فلا مذكرة اعتقال صادرة عن النيابة، ولا تحقيق، فقط اقتحام المنزل وتكسيره دون اعتبار لحرمته، اعتقال ثم ضرب وشتم فتعذيب، حبس لـ15 يوما تليها أخرى، انتزاع اعترافات بالقوة، تهديد بإحضار الوالدة واغتصابها لإجبار المعتقل على الاعتراف، فلائحة التهم طويلة ومعدة سلفا لهؤلاء المعتقلين الذين عليهم فقط التوقيع عليها، حسب المعتقلين.
المنزل ليس فقط المكان الوحيد الذي يعتقل منه المشتبه به، فهناك الشارع والجامعة، فجميع الذين تحدثوا لا يعرفون أسباب اعتقالهم ولا التهم الموجهة إليهم، بعضهم معارض للانقلاب ولكنه لا يخرج في المظاهرات، وآخر اعتقل خطأ ولكن لم يفرج عنه، فلا بأس من أن يُسجن "احترازيا" لأشهر كما قال أحد وكلاء النيابة لأحد المعتقلين.
محاكمة هزلية
ففي شهادة لأحد المعتقلين يقول "استيقظت من النوم ووجدت أكثر من عشرين عنصر أمن حول السرير مدججين بالسلاح وكأني إرهابي كبير جداً". ويضيف أنهم فتشوا شقته واقتادوه رغم أنهم لم يجدوا عنده "أي سلاح أو يأخذوا أي ورقة من عنده".
ويتابع أنه نقل إلى زنزانة تعج بالمعتقلين، "كنا ننام تقريبا فوق بعض، يعني خلف خلاف". أما بالنسبة للحمام "فيصعب الجلوس عليه، يعني أقضي حاجتي وأنا واقف تقريبا لأن ركبتيَّ تؤلمانني".
أحد طلاب جامعة الأزهر يتحدث عن اعتقاله فقط بسبب وجوده في المدينة الجامعية أثناء خروج مظاهرات ومواجهات مع الأمن. ويتابع أنهم وضعوه ومعتقلين آخرين في سيارة الترحيلات، وصعد أحد عناصر الأمن معهم "سب دين وشتيمة للأب والأم".
ويضيف أنهم سجنوا "في زنزانة مساحتها ثلاثة أمتار في ثلاثة، وفيها حوالي 32 مسجونا، وبعد نحو أسبوعين عُرضوا على النيابة، وأقر جميع السجناء بأن لا دخل لي بالمظاهرات. وفي السجن عرضنا على المحاكمة التي كانت هزلية لغياب الأدلة والشهود وحتى الضباط والعناصر الذين اعتقلوني لم يأتوا للشهادة".
وفي شهادة لطالب آخر يقول إنه اعتقل خطأ، "سألني ضابط الأمن الوطني: لأي جماعة تنتمي؟ فأخبرته لا أنتمي لأحد، فضربني على وجهي بالبيادة والخوذة، وهددني بسجن أهلي".
وفي المحكمة يضيف الطالب المعتقل أن "القاضي كان يعاملنا بأسلوب غير لائق، وكان المحامون يسخرون منا ويستهزئون بنا ويضحكون علينا، وبعدها جدد القاضي الحبس لمدة 15 يوما إضافية، وعند عودتنا إلى السجن أوقفونا وعملوا لنا تشريفة، وحلقوا لنا وأدخلونا زنزانة لا يوجد فيها لا مساجين ولا بطاطين، وكانت الأجواء باردة".
اغتصاب الوالدة
"كنت نائما في منزلي، واستيقظت على أصوات اقتحام وتكسير.. والدي ممسوك والشرطة تنتشر بكثافة في الشقة.. أحد الضباط قال: اقبضوا عليه، هذا يلعب كمال أجسام وجسمه جامد، اعتقلوه حتى نعمل له قضية"، يقول أحد المعتقلين.
ويتابع "سحلوني وضربوني في الشارع.. قائد الفرقة أطفأ السجائر في جسدي، ضربني على وجهي بالحذاء، وبعد حفلات التعذيب التي لا توصف، ضربوني أمام والدي وضربوا والدي أمامي، هددوني بجلب والدتي واغتصابها، وبعد هذا التهديد قلت لهم: سأعترف بما تطلبونه، دخلت مكتبا وأنا معصوب العينيين وموثق اليدين، وبدأ يسألني عن القنابل، وبعد 12 ساعة من التحقيق أقررت بأنني تابع لجماعة اسمها الإيمو، لكن وكيل النيابة قال له إن جسدك يظهر أنك جهادي ولست تابعا لجماعة الإيمو".
وختم بأنه "لو أي إنسان هُدد بأن تغتصب والدته، يكون جوابه اعتقلوني وضعوني في السجن ولكن لا تلمسوا والدتي، ولهذا اعترفت بالكلام الذي أجبروني على حفظه، وأنا لا أعرف عنه أي شيء".
أسير في بلاده
"اعتقالنا كان مهينا، كنا في زنزانة تضم 70 أو 80 شخصا والدخان يملأ المكان، لم نستطع استنشاق الهواء، وبدلا عنه كان دخان المخدرات والبانغو والحشيش وأنواع مخدرة غير معروفة ولم نسمع بها من قبل، وكأن كل أنواع المخدرات موجودة أصلا في السجون، وإن وزارة الداخلية تشرف على هذه المواد المخدرة، ويبدو أنها موجودة أيضا لديهم".
والمثير في شهادة هذا المعتقل أنه مسجون احتياطيا منذ أكثر من 150 يوما، وفي كل تحقيق يسألونه عن اسمه ومهنته والمسجد الذي يصلي فيه. أما التهم التي وجهت له فكانت مختلفة عن الباقين، وهي "إدارة عمليات في ميداني رابعة والنهضة، ومحاولة اغتيال الرئيس المؤقت عدلي منصور. وعند كل استئناف تقول النيابة إنها بانتظار تقرير المعمل الجنائي، وإلى اليوم لم يصل".
ويخلص إلى أن معظم السجناء لا يعرفون تهمهم، يسجنون سنوات دون أدلة واضحة، "نحن غرباء في وطننا، وأسرى داخل بلادنا".