الرابط المختصر :
سعدت بإهداء نسخة من كتابي الجديد "يوسف عليه السلام قدوة للمسلمين في غير ديارهم..." إلى العلامة الفقيه المقاصدي أ.د. أحمد الريسوني حفظه الله، ملتمساً منه أن يكرمني بملاحظاته القيمة التي أعتز بها وبفكره النير... فإذ بفضيلته يكتب مقدمة رائعة دقيقة عميقة، موجزة معبرة، بين ثناياها التعريف بالمؤلف والكتاب في كلمات مسبوكة جامعة، جديرة أن تكتب بماء الذهب الخالص.
ولجمال الأسلوب، وروعة التعبير، ننشر هذه المقدمة ليستمتع بها القراء كما استمتعت بها، قبل أن يتوج بها الكتاب في طبعته الثانية بإذن الله
مقدمة من العلامة الفقيه المقاصدي ا.د. أحمد الريسوني:
بسم الله الرحمن الرحيم
من حصائدي في هذا الصيف: كتابٌ قرأته بمدينة إسطنبول، ثم أعدت النظر فيه بمدينة الرباط. إنه كتاب (يوسف عليه السلام قدوة للمسلمين في غير ديارهم) للعلامة الداعية، الفقيه المجتهد، الأستاذ الدكتور علي محيي الدين القره داغي، الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
والكتاب له أهميته وقيمته الذاتية، بغض النظر عن مؤلفه ومكانته، ولكنه بدون شك يجسد جوانب من شخصية المؤلف ويستمد منها..
مؤلف الكتاب - حفظه الله - صاحب سيرة حافلة ومكتظة بما لا يحصى من جلائل الصفات والإنجازات، ولكنّ ما أعنيه أو يعنيني هنا من شخصية المؤلف وصفاته هو أنه من أكثر علماء المسلمين - أو أكثرهم - معرفة ودراية بأحوال المسلمين وقضاياهم وهمومهم، قد خبرها وعركها طولا وعرضا، مدارسة وممارسة، ومنها خاصةً أحوالُ المسلمين في الغرب. فكم شدَّ إليهم الرحال وشدوها إليه، وكم استمع إليهم واستمعوا إليه، وكم دَعوه فاستجاب، وكم سألوه فأجاب، وكم كتب عنهم ولهم من مقالات وفتاوى ودراسات، وكم ألقى فيهم من خطب ومواعظ وتوجيهات...
فهذه هي الخبرات المعرفية والميدانية التي أعطت لهذا الكتاب قيمة مضافة، كيف لا ومؤلفه هو نائب رئيس المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث.
وأما الكتاب نفسه:
- فهو أولا: نموذج مثالي في التعامل الحي المتجدد مع القرآن الكريم وكنوزه التي لا تنضب. فقصة يوسف عليه السلام نُزّلت إلينا في القرآن الكريم قبل أربعة عشر قرنا، ووقائعها ترجع إلى نحو ثلاثين قرنا، ومع ذلك فالمؤلف جعل منها مصدرا حيا معاصرا، يعطي الإجابات على تساؤلات وإشكالات يعيشها المسلمون وغير المسلمين، اليوم!
- وهو ثانيا: نموذج يحتذى في التعامل مع القصص القرآني ومع الأمثال القرآنية، تعامل غواص متبصر لا يكاد يترك واقعة ولا لفظة ولا إشارة إلا استثمرها واستنبط من مكنوناتها ما ينفع الناس ويضيئ طريقهم {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ } [العنكبوت: 43]. ونستطيع أن نقول: إن المؤلف يؤسس بهذا الكتاب (فقه القصص القرآني).
- والكتاب بمجمل أقسامه ومباحثه نموذج للاجتهاد الفقهي المعاصر، الجامع بين حاجات العصر ومقتضيات الشرع. فلا حاجات العصر تهمل، ولا مقتضيات الشرع تعطل، ولا بينهما تنافر وتضاد.
- وهو رابعا: لبنة جديدة فيما اصطلح على تسميته بـ"فقه الأقليات"، وهو الفقه الذي أخذ يُحدث نقلة في فقه المسلمين بالغرب، وفي ترشيد وعيهم وتدينهم وسلوكهم وعلاقاتهم.
فجزى الله مؤلفنا الجليل خير الجزاء، ونفع به وتقبل منه، آمين.
الرباط في 3ذي الحجة 1439ه/ 15غشت 2018م