الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فقد وردت للجنة الاجتهاد والفتوى مسألة نصها: « ما حكم إقراض الدولة لبعض الجهات بالرّبا أقلّ نسبة من معدل التضخم في الدولة تحفيزاً للصناعة أو تطويراً للتجارة أو تربية البهائم وغيرها أو لشراء البيوت لمن كان دخله متواضعاً، وليس القصد منها الحصول على الرّبا».
نظرت اللجنة في المسألة أعلاه في اجتماعها ( 3 /2023) بتاريخ 28 من جمادى الآخر 1444هـ يوافقه 21 يناير 2023م، وتداولت حولها، وعُرضت عليها بحوث فيها، وبعد التداول والنقاش المستفيض من الأعضاء؛ قررت اللجنة ما يلي:
أولاً: تؤكّد اللجنة أنّ أكل الربا والتعامل به محرّمٌ في الشرع تحريماً عاماً ومطلقاً، لا يبيحه تغير زمان ولا اختلاف مكان ولا إنسان، لما جاء في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من تحريم الربا كليّاً وجزئياً، ولما جاء من تهديد بحربٍ مدمِّرة من الله ورسوله للمرابين، فقال جلّ وعلا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة الآية 278 – 279]. وللّعن الـمُبعِد من رحمة الله الموجب لسخطه كما أخبر جابر وابن مسعود وأبو جحيفة وعليٌّ وغيرهم من الصحابة الأخيار رضي الله عنهم، أنّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ »([1]).
لذلك ؛ لا يجوز للدولة التعامل بالربا مع المسلم أو مع غير المسلم، إلاّ في حالة الضرورة أو الحاجة العامة التي تنزَّل منزلة الضرورة، استناداً إلى قول الله تعالى ﴿ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ﴾ [الأنعام: 119]، وقوله تعالى ﴿ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ﴾ [البقرة: 173]، وقوله تعالى ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: 78]، وإعمالاً للقواعد الفقهية في ذلك، مثل قاعدة: ( المشقة تجلب التيسير )، وقاعدة : (الضرر يزال )، وقاعدة: (الضرورات تبيح المحظورات )، وقاعدة: ( الحاجيّ الكليّ ينزّل منزلة الضرورة).
ثانياً: الضرورة أو الحاجة العامة المنزَّلة منزلة الضرورة التي تقع للدولة وللأفراد؛ إنما تبيح لهم الاقتراض بالربا، بعد استنفاد كل الوسائل المشروعة واتخاذ كافة التدابير الواقية من الربا، وبعد تقدير الضرورة وتحقق الشروط الخاصة بها من جهات الاختصاص والخبرة.
أمَّا الإقراض بالربا فلا يبيحه شيءٌ لا للدولة ولا للأفراد، لا حاجة ولا ضرورة، ومن باب أَوْلَـى غير الضرورة والحاجة. كما لا يبرره نوع القرض، ولا حسن الغرض، ولا قلة الفائدة، وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: « من أسلف سلفاً، فلا يشترط أفضل منه. وإن كانت قبضةً من علف، فهو ربا » ([2]).
ثالثاً: إنّ من البدائل الشرعية التي تتيح للدولة تحقيق أغراضها من الإقراض؛ كتحفيز الصناعة، وتطوير التجارة والزراعة، ومساعدة ذوي الدخل المحدود والمتواضع، وغيرها:
[1] الإقراض الحسن من غير فائدة، وفيه تشجيع للاستثمار، وإعانة على الإنتاج، وتحفيز للصناعة والتجارة، وعائد ذلك للدولة تنمية وتطويراً، ويجوز للدولة في هذه الحالة أنْ تفرض على الجهات والأفراد المقترضين رسوماً لمقابلة المصروفات الفعلية المباشرة التي تكلفتها في خدمة الإقراض وإجراءاته، إذ من المقرر عند الفقهاء تحمّل المقترض تكاليف القرض، شريطة أن لا تربط التكاليف والمصروفات بالأجل أو المبلغ أو بهما.
[2] الإقراض غير المباشر: ويكون بطريق التمويل الاستثماري، فيجوز للدولة عن طريق البنوك الحكومية وغيرها الدخول مع الجهات الاستثمارية والإنتاجية في تمويل استثماري بأيٍّ من صيغ التمويل الإسلامي، كالمشاركات المتناقصة التي تنتهي بتمليك المشروعات للجهات والمؤسسات، وكالإجارة المنتهية بتمليك البيوت والعقارات للأفراد من ذوي الدخل المحدود، وغير ذلك من صيغ التمويل الإسلامي، ولا مانع أن تحقق الدولة بذلك عائداً مادياً.
رابعاً: إنّ بعض المعاملات التي تجريها الدولة ويُنَصّ في عقودها على أنها إقراض، وتنصّ على فرض فائدة عليه؛ ــــ كما تصنع بعض بنوك الإسكان والتعمير الحكومية، أو البنوك العقارية الحكومية ــــ، هي في حقيقتها بيعٌ وإنْ نُصَّ على الفائدة أو سمّي العقد بأنه إقراض؛ فلا إشكال في مثل هذه المعاملات التي هي في حقيقتها بيعٌ وفي مسماها إقراضٌ، فيجوز للدولة الاسترباح وإنْ سمت الأرباج فوائد، فالعبرة في العقود للمقاصد والمعاني، لا للألفاظ والمباني.
وعليه؛ فمثل هذه المعاملات ليست من الإقراض بالربا المحرّم شرعاً.
خامساً: تبحث لجنة الاجتهاد والفتوى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في إيجاد مخارج شرعية أكثر، وتسعى في توفير خيارات وبدائل فقهية أوسع للإقراض بالربا، تعين بها إنْ شاء الله الدُّولَ المسلمة في الخروج من الربا المحرم إلى التعامل الذي يرتضيه الإسلام ويحقق المطلوب والغرض المحبوب.
والله الهادي إلى الحق والصواب.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
|
أعضاء لجنة الاجتهاد والفتوى الموافقون على القرار
|
1
|
علي القره داغي
|
رئيس اللجنة
|
2
|
فضل مراد
|
المقرر العام
|
3
|
نور الدين الخادمي
|
عضوا
|
4
|
سلطان الهاشمي
|
عضوا
|
5
|
فريدة صادق عمر
|
عضوا
|
6
|
خالد حنفي
|
عضوا
|
7
|
مصطفى داداش
|
عضوا
|
8
|
عبد الله الزبير
|
عضوا
|
9
|
سالم الشيخي
|
عضوا
|
10
|
محمد كورماز
|
عضوا
|
11
|
مسعود صبري
|
عضوا
|
12
|
إبراهيم أبو محمد
|
عضوا
|
13
|
عكرمة صبري
|
عضوا
|