إلى صديقي الذي لم يعجبه سقوط طاغية
وانتصار شعب (4)
كتبه: التهامي مجوري
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
**
اقرأ: إلى صديقي: الذي لم يعجبه سقوط طاغية وانتصار شعب (1)
اقرأ: إلى صديقي الذي لم يعجبه سقوط طاغية وانتصار شعب (2)
اقرأ: إلى صديقي الذي لم يعجبه سقوط طاغية وانتصار شعب (3)
**
لقد تابعت كل ما كتبتَ على جدار صفحتك طيلة هذه الأيام
التي أعقبت عودة السوريين إلى بلادهم محررين لها من الطاغية الهارب، وما علقت به
في تغريداتك وتصريحاتك، المكتوبة والمنطوقة والمصورة، بمناسبة وبدون مناسبة...،
حول ما يقع في سوريا في هذه الأيام، وكنت ولا أزال أحترم رأي المخالف في أمور يكون
الرأي فيها رأيا...، بما في ذلك الذين هم مع محور إيران وحزب الله من الذين
يدافعون عن النظام السوري البائد ويناصرونه...؛ بل لا أسمح لنفسي بمعارضة رأي
إيجابي تجاه المقاومة مهما كانت خلفياته، إن لم أتأكد من سلامة رأيي ووضوحه، ولذلك
أراني مضطرا لمخالفتك فيما كتبت وصرحت، ولو كنت من رجال المقاومة أو من مناصري
أدعيائها؛ لأن السياسة ليست مجرد مع وضد، وإنما هي مواقف مبنية على مصالح... والكل
يبحث عن مصالحه والكل له اجنداته، فلا إيران جمعية خيرية ولا حزب الله فريق من
المحسنين، ولا النظام السوري البائد دار أيتام... وكنت ولا أزال دائما أقول، ما
بين الأطراف من خلافات ونزاعات تغطيها فضائل الجميع عندما تصب في مصب واحد... ولكن
أن نقبل بالتضحية بالبعض في سبيل البعض الآخر كما ترى ويفعل أصحابك ويكون ذلك على
حساب الجميع... فلا ألف لا.
وما قرأته لك في هذه الأيام بعد سقوط نظام الأسد وهروبه،
اسمح لي أن أقول لك بأنني لم أجد له موقعا فيما اعتقد وأحاول رصده وتعميمه على
فضائل المختلفين والمتنازعين سياسيا أو إثنيا أو عقديا... فبدلا من أن تستبعد
فضيلة المقاومة عن الجميع وتربطها بطرف واحد، أطلق على نفسه "محور
المقاومة"، وتنتصر لهذا النظام الفاسد على حساب شعبه الذي حُرم كل شيء...
فرحت تبشر المجتمع السوري والذين شاركوه فرحته في هذه المناسبة، بالويل والمزيد من
التمزق والتفتيت... بكل أسف لم تصب الهدف يا صديقي لاعتبارات عدة.
أولا: الوطنية وحدة لا تتجزأ
إن الشعب السوري شعب وطني يحب بلاده مثلما تحب أنت
بلادك، وعندما ثار على هذا النظام، لم يثر عليه مغتنما مناسبة الربيع العربي الذي
يمثل التآمر الأمريكي كما ترى...، وإنما عارض قبل ذلك وتململ وثار، والشاهد على
ذلك المجازر والسجون المملوة بالآلاف التي كنا نسمع عنها من قبل والمهجرين
والمغاتلين الذين يعدون بعشرات الآلاف... ألا يحق لهذا الشعب أن ينتفض على هذا
النظام الفاسد الذي حكمه أكثر من نصف قرن بالحديد والنار؟ ولو قارنا ما فعل النظام
السوري بشعبه بما يقع في العالم العربي من خلافات بين الشعوب ونظمها الفاسدة، لما وجدنا
وجها للمقارنة... لا شك أن الاستبداد شر كله، وما تفعله الأنظمة الظالمة بشعوبها
شر كثير، ولكن الشر دركات بعضها أهون من يعض، والنظام السوري بلغ المرتبة الأسوأ
على الإطلاق.
لو كان لهذا النظام ذرة من الوطنية ما فعل الذي فعل
قديما وحديثا واليوم بالشعب السوري... وأضرب مثلا ببلادي الجزائر التي أعرفها.
فالجزائر كانت فيها معارضة مسلحة، وأزمة التسعينيات خلفت 200 ألف قتيل، ومع ذلك لم
تمس المدن والقرى ولم تمس البنايات، رغم أن تلك المعارضة التي كانت في الجبال
مددها كان حتما من المدن والقرى وشبكات الدعم المعروفة في الحركات كلها... ومع ذلك
لم نشهد مدينة حطمت بسبب أن فيها إرهابيين أو أعوان إرهابيين، وكان هناك سجناء
ظلما وعدوانا وتعذيبا ولا يزال البعض مغيبون إلى الآن، وقل مثل ذلك في مصر عبد
الناصر قديما والسيسي حديثا... ولكن الصور التي شاهدنا في سوريا لم نسمع بها إلا
نادرا وفي حالات شاذة جدا في التاريخ... صحيح أن الظلم والطغيان والاستبداد شر
كله، ولكن فرق بين يعمل على الانتقام من خصمه السياسي وإقصائه من الساحة السياسية
وربما نفيه إلى خارج وطنه بقوة المطاردة المطردة... وهي جريمة لا تبرر، وبين من هو
مستعد لتحطيب بلد للضغط على الخصوم وتركيعهم من أجل البقاء في السلطة، بل يرفع
شعار "الأسد أو نحرق البلد"، ولما نبه إلى خطورة هذا الشعار من الناحية
السياسية، تغير الشعار وأصبح "إما الأسد أو لا أحد".
وانت يا صديقي لا أشك في وطنيتك وحبك لبلادك، ولكن لا
أقرك على حرمان السوري من وطنيته وتجعله في رصيد الطاغية الذي هرب غير مأسوف
عليه... إن الوطنية الصادقة تنطلق من هنا، مهما كانت السلبيات التي ستكون في هذا
الوضع الذي نتمنى أن يتغلب عليه الشعب بحكمة عقلائه وعلمائه وقياداته السياسية؛
لأن الشعب السوري لن يكون مستقبله أسوأ مما كان عليه من قبل؛ بل ربما كان الوضع
أصعب، ولكن تؤخره أو الصعوبات التي سيمر بها سوف تكون، بمثابة التأخر النسبي من
أجل الاستعداد للمعركة الحقيقية... أما الواقع الاستبدادي الذي كان عليه الشعب السوري،
فلن ينتج مقاوما حرا على الإطلاق؛ لأن
الاستبداد لا ينتج الأحرار وإنما ينتج الخونة العبيد والمتزلفين.
فالشعب السوري كغيره من الشعوب أراد أن يتحرر من هذا
الاستعباد الذي طال أمده ولا بد من أن يتغير وكما يقول مثلنا الشعبي الجزائري
"تبديل السروج راحة"، أي تغيير السرج من على ظهور الخير يقتضي النزول من
على ظهورها، لتغيير السرج والركوب عليه، وفي ذلك راحة للخيل وللخيال معا.
(يتبع)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.