البحث

التفاصيل

رمضان مدرسة لتخريج الرجال (2)

الرابط المختصر :

رمضان مدرسة لتخريج الرجال (2)

بقلم: أ.د/ محمد دمان ذبيح

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

**

اقرأ: رمضان مدرسة لتخريج الرجال (01)

**

·     الوقت

     إن الوقت بالنسبة إلى المسلم هو الحياة، فمن ضيع وقته فقد ضيع حياته كلها ، لذلك ولأهمية الوقت نجد المولى عز وجل أقسم به في العديد من الآيات من ذلك قوله تعالى : ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾ [العصر: 1، 2]، وقال أيضا : ﴿ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ* وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ ﴾ [الفجر: 1 - 4]، وقال كذلك :﴿ وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ﴾ [الضحى: 1، 2]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : " اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك"[1].

    وصدق ابن هبيرة عندما قال:

   والوقت أنفس ما عنيت بحفظه ** وأراه أسهل ما عليك يضيع

وأنت تقرأ  تراجم الرجال، والعظماء تجد أن من أهم صفاتهم الحرص على الوقت ، واستثماره بالشكل الذي ينعكس إيجابا عليهم ، وعلى مجتمعهم ، وهذا الذي يتعلمه الصائم من رمضان فتراه يستغل وقته في مرضاة الله تعالى ، وينتقل من عبادة إلى أخرى، بعيدا  كل البعد عن  سفاسف الأمور ، وعن إهدار وقته فيما لا ينفع، واضعا نصب عينيه قوله تعالى:﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام : 162]، وأيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم : " أتاني جبريل ، فقال : رغم أنفُ امرئٍ أدرك رمضان فلم يُغفرْ له ، قل : آمين ، فقلتُ : آمين"[2].

·     الأخلاق

     إن الإسلام دين الأخلاق، ولا خير فيمن لم يتخلق بأخلاقيات الإسلام، والله سبحانه وتعالى كما نعلم جميعا مدح نبيه صلى الله عليه وسلم من هذا الباب فقال: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 04]، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن."[3]

     ولا شك أنها الرجولة في أسمى معانيها، عندما تعامل الناس بالتبسم، والكلمة الطيبة، والفعل الحسن، دون أن يروا منك إيذاء، أو ظلما ، أو فجورا، وهي الأخلاق التي يتربى عليها الصائم في هذا الشهر الفضيل ، وبالتالي التحلي بها طوال حياته ، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم : " الصيام جنة ، فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل ، فإن امرؤ قاتله أو شاتمه ، فليقل : إني صائم ، إني صائم  "[4]؟، فالحديث يبين كما نرى أن الصيام وقاية، وحصن حصين من كل الأخلاقيات السيئة، و وسيلة مثلى للتخلق بالخصال الحميدة ، وهي صورة المسلم الحقة، والتي تعبر وبامتياز عن عظمة هذا الدين ، و  التي بها فتح الأوائل  مشارق الأرض ومغاربها.

·     الثبات على الدين

       إن من أعظم النعم على الإطلاق أن تكون ثابتا على دينك، محافظا على العهد الذي بينك وبين ربك سبحانه وتعالى، طوال حياتك، بل حتى آخر لحظة من عمرك، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]، وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك "[5].

     إن الثبات على الدين لن يقوى عليه، ولن يتحمله إلا الرجال أصحاب الهمم العالية ، الذين يعيشون بمبدأ واحد ، دون أن تغيرهم الظروف ،أو الأحوال، وهذا الذي يغرس في الصائم بعد رمضان ، أو بتعبير أدق تراه ربانيا لا رمضانيا ، لأن الله تعالى يقول حكاية عن عيسى عليه السلام : ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾ [مريم: 31]،ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أحب الأعمال إلى الله أدومها و إن قل"[6]، وقد قيل لبشر بن الحارث: " إن قوما يجتهدون، ويتعبدون في رمضان فقال: بئس القوم قوم لا يعرفون الله إلا في رمضان، إن الصالح يتعبد، ويجتهد السنة كلها."

    و أخيرا أقول : إن رمضان فرصة عظيمة للوصول إلى مستوى الرجولة ، و التي نادرا ما نجدها في زمن الناس هذا ، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال : " إنما الناس كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة "[7]، لذلك فلنحرص على هذا الشهر الفضيل طوال السنة ، أين تتجلى معاني الرجولة في كل أقوالنا ، وتصرفاتنا ، وهو ما سيجعلنا بحق أهلا لهذه الآية القرآنية :  ﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾  [آل عمران : 110].

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* أ.د/ محمد دمان ذبيح؛ عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، جامعة محمد العربي بن مهيدي أم البواقي – الجزائر.

 

 



[1] - رواه النسائي برقم:11832.

[2] - رواه البزار 4277.

[3] - رواه الترمذي برقم : 1987.

[4] - رواه البخاري برقم: 1894.

[5] - رواه الترمذي برقم : 2140.

[6] - رواه البخاري برقم: 6465.

[7] - رواه مسلم برقم : 2547.


: الأوسمة


المرفقات

التالي
غزو بدر الكبرى بين بناء المؤسسات والتأييد الإلهي (2/4)
السابق
بيان صحفي حول زيارة وفد الاتحاد إلى سوريا ولقائه بفخامة الرئيس السوري السيد أحمد الشرع حفظه الله

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع